“إد مجاهدي”… خلية نمل تطمح إلى العالمية
المشروع الذي يهدف إلى تثمين “أركان” مبادرة من “لوبوتي أوليفيي” و”أنتر مارشي” بشراكة مع “الصويرة موغادور”
على بعد 20 كيلومترا من الصويرة، توجد قرية “إد مجاهدي”، المعروفة بـ “القرية الشمسية”، بعد تزويدها بمحطة للطاقة الشمسية ساهمت في كهربة مساكنها وإنشاء العديد من الأنشطة الموازية في إطار مشروع تنموي وقفت عليه علامتان فرنسيتان هما “لو بوتي أوليفيي” و”أنتر مارشي”، بشراكة مع العديد من الفاعلين، على رأسهم جمعية “الصويرة موغادور” التي يترأسها المستشار الملكي أندري أزولاي.
انطلق المشروع في 2017، وحالت سنوات الجائحة دون أن تتم مواكبته بالشكل المطلوب، ليتحول اليوم، إلى مشتل صغير نبتت عليه العديد من المشاريع التنموية، سواء المتعلقة بتثمين وتطوير “أركان” أو بتشجيع السياحة البيئية. “الصباح”، زارت المشروع الذي بدأ ب17 عائلة، وتستفيد منه اليوم 300 عائلة من المنطقة، في ظرف سنوات فقط، وجاءت بالورقة التالية:
إنجاز: نورا الفواري
“نريد أن نطور هذا المشروع لكي يصبح عالميا وتباع منتوجات أرضنا في مختلف أنحاء العالم”، هكذا عبرت نساء تعاونيات القرية الشمسية “إد مجاهدي”، نواحي الصويرة، بإجماع، عن أملهن في مستقبل زاهر لهن ولأبنائهن من بعدهن، أمام زوار القرية من المسؤولين الأجانب لعلامة “لو بوتي أوليفيي” الفرنسية الخاصة بمستحضرات التجميل، ومجموعة التوزيع الفرنسية “أنتير مارشي”، اللتين كان لهما الفضل في تزويد الدوار بالطاقة الشمسية وبالعديد من الخدمات الأساسية التي كان يحتاجها السكان والأطفال، ومن بينها أقسام للتعليم الأولي ومحو الأمية.
:تعاونيات نسائية
نساء قرية “إد مجاهدي”، التابعة لجماعة أوناغا، سعيدات بعملهن اليومي في إطار التعاونيات، التي بدأت في 2017 بتعاونية لزيت “أركان”، قبل أن تنضاف إليها تعاونيات أخرى خاصة بالسياحة البيئية ومنتجات الصناعة التقليدية. تقوم النساء كل يوم بعمل شاق من أجل فرز حبات “أركان” وتقشيرها وهرسها، قبل عصرها وتحويلها إلى زيت، منها الموجهة للاستهلاك والأكل، ومنها التي تصنع منها مستحضرات تجميل طبيعية. ومنهن التي تعمل بشكل دؤوب على تقطير ماء الورد بطرقه التقليدية القديمة، لاستخراج محاليل منه، صافية وخالية من أي مادة كيماوية، حسب ما أكدته واحدة منهن، في تصريح ل”الصباح”، أثناء زيارة للمشروع الذي انطلق في 2017، وحالت سنوات الجائحة دون انتعاشه بالشكل المطلوب، لتعود وتيرة العمل اليوم من جديد، بشكل أكثر نشاطا وتطورا.
القرية الصغيرة تعمل كالنمل، في جد ونظام ونشاط. البعض يهتم بزراعة الحقول الصغيرة والاعتناء بها، والبعض الآخر يسهر على خلية كسر حبات “أركان” والطرز والخياطة، وآخرون مهمتهم حضيرة تربية النحل الموجودة في قلب الدوار، والتي تنتج عسلا عالي الجودة. وفي الوقت الذي تعمل فيه النساء، يستفيد الأبناء من دروس الرسم والتشكيل والتعليم الأولي في الأقسام المجاورة، ويمرحون في فضاءات اللعب الخاصة، والتي تم تزويدها بالعديد من لعب الأطفال و”التروتينيت” والدراجات، التي يتناوب أطفال القرية الصغيرة عليها بلهفة الصغار الذين يكتشفون عالما آخر للمرة الأولى في حياتهم.
300 عائلة:
إضافة إلى منتجات الأرض التي يتم تسويقها، ومن بينها الصابون والعسل وزيت “أركان” و”أملو” والحناء والخروب وماء الورد والغسول والصابون البلدي وزيت الزيتون وغيرها، فتحت نساء قرية “إد مجاهدي” مطعما داخل الدوار، لاستقطاب السياح، سواء الأجانب أو القادمين من مختلف المدن المغربية، من أجل اكتشاف الأطباق المغربية اللذيذة، خاصة تلك المعروفة بالصويرة، مثل “الزميطة” و”بركوكش” والكسكس و”طاجين المعزي” والخبز البلدي، إضافة إلى الحلويات اللذيذة التي يمكن تذوقها مع كؤوس الشاي المغربي الأصيل، وكلها مصنوعة من يد نساء الدوار، على طريقة الأمهات والجدات، التي أصبحنا نفتقدها اليوم في عصر “الهامبورغر” والأكل “الأومبورتي”، في تجربة فريدة من نوعها تدخل في إطار تشجيع السياحة البيئية.
تقول صوفي دارتوا، إحدى المسؤولات عن مشروع القرية الشمسية الذي تم تأسيسه بشراكة مع جمعية “الصويرة موغادور” ومؤسسة محمد السادس للبحث وحماية شجرة “أركان” وغيرها من الشركاء آخرين، وتستفيد منه اليوم حوالي 300 عائلة: “المشروع هدفه تمكين المرأة القروية في هذه المنطقة ومنحها استقلالية اقتصادية، وتشجيع التنمية المحلية والإقليمية وجذب السياح إلى هذا الفضاء الطبيعي الجميل، بعيدا عن صخب الحياة اليومية في المدن الكبرى، إضافة إلى تثمين شجرة “أركان” المصنفة تراثا إنسانيا من قبل اليونسكو، خاصة في ظل سوء الاستغلال والرعي العشوائي والمتغيرات المناخية الحالية، والتي تهدد وجود هذه الشجرة واستمراريتها”.
:جاز تحت شجر “أركان”
وأضافت صوفي، في تصريح لـ “الصباح”، أن الهاجس البيئي حاضر بشكل قوي أيضا في المشروع، من خلال تشجيع استعمال الطاقة الشمسية المتجددة، خاصة أن المنطقة تتمتع بطقس مشمس على مدار شهور السنة، وتزويد الدوار بشبكة صغيرة للكهرباء بفضل الألواح الشمسية، وهو ما يتماشى مع الإستراتيجية الطاقية التي يتوجه المغرب نحو تطويرها في أفق 2030، مضيفة أن المشروع يهدف في 2024، إلى إنشاء مسارات سياحية وعروض إقامة سياحية بيئية داخل القرية، إضافة إلى تنظيم تظاهرات ثقافية، من بينها مهرجان “جاز تحت أركان”، سيتم تنظيمه بشراكة مع جمعية “الصويرة موغادور”، التي يترأسها المستشار الملكي أندري أزولاي، والداعمة للمشروع منذ بداياته.
ويهدف المشروع، حسب صوفي، بالإضافة إلى دعم إعادة تثمين شجر “أركان” بالمنطقة، والحفاظ على بقاء واستمرارية الموروث القروي، إلى تشجيع تمكين النساء من خلال برامج للتعليم ومحو الأمية في صفوفهن، وتوفير أنشطة مدرة للدخل، تمكنهن من بلوغ نوع من الاستقلالية الاقتصادية التي تحميهن من مطبات الحياة وتساعدهن على الاعتماد على كفاءتهن وقدراتهن الذاتية.
المشروع، الذي بدأ بإنشاء محطة للطاقة الشمسية وتزويد الدوار بالكهرباء، استطاع في ظرف سنوات قليلة فقط، أن يحقق العديد من الأهداف المتوخاة منه، بفضل تعاون نساء ورجال القرية ومبادرات العديد من الفعاليات الجمعوية، ومن بينها “وي سبيك سيتيزين”، إذ تم غرس العديد من شجيرات “أركان” والزيتون وغيرها وإنشاء عدد من المشاتل الخاصة بالزهور والنباتات العطرية وتكوين مسارات للسياحة البيئية من خلال الاستثمار في فضاء للاستجمام بمصنع السكر القديم بإيدا أوغرد، وتأسيس مطعم صغير داخل خيمة لتقديم الأطباق التقليدية المغربية التي تصنعها نساء القرية، وبيع المنتوجات التي تم تحويلها وغيرها من الأنشطة التي أنعشت السكان وجعلتهم يطمحون إلى تطوير مشاريعهم وتحقيق إشعاع دولي لها، خارج حدود الدوار.
:سياحة بيئية
غير بعيد عن “إد مجاهدي”، عكف بعض شباب منطقة “إدا أوغرد”، المعروفة بأشجار العرعار والخروب والزيتون و”أركان”، على تطوير مشروع سياحي بسيط، بإمكانياتهم المتاحة، من أجل استقطاب الزوار إلى ما تبقى من مصنع السكر القديم الموجود في المنطقة، والذي يعتبر أقدم مصنع سكر بناه المغرب في عهد السعديين، لكنه يوجد اليوم في حالة مهملة ويحتاج إلى إعادة ترميم وتثمين من قبل السلطات الوصية، باعتباره أثرا تاريخيا مهما.
بجوار المصنع القديم، الذي ينتمي إلى مدينة أثرية قديمة تدعى “السويرة القديمة”، وبني على ضفاف وادي القصب، أبدع الشباب الذين ينشطون في إطار جمعية، “كعيدة” تقليدية في الفضاء الطلق، تظللها أشجار “أركان”، ومؤثثة بالزرابي والموائد التقليدية، حيث يقدمون الشاي للسياح العابرين مع التمر واللوز والفواكه الجافة وبعض المنتوجات المعروفة في المنطقة، وحيث يمكن الاستمتاع بالهدوء والسكينة وأنغام فرقة من الموسيقيين المحليين.
يقول واحد من الشباب الناشطين في العمل الجمعوي بالمنطقة، في تصريح ل”الصباح”: ” نقوم بالعديد من الأنشطة السياحية الصغيرة بإمكانياتنا البسيطة المتوفرة. واستطعنا خلال فترة أن نستقطب عددا مهما من السياح، سواء الأجانب، أو القادمين من بعض المدن المغربية، لكننا في حاجة إلى مزيد من الدعم، سواء من طرف المسؤولين أو السلطات الوصية، من أجل تطوير هذا المشروع، وتوفير بعض التجهيزات الضرورية من أجل راحة السائح، مثل المراحيض التي يتسبب غيابها في تراجع الإقبال على هذا الفضاء، وعدم مكوث السياح فيه لأطول مدة ممكنة”، إضافة إلى إصلاح الطريق وتأسيس مسار سياحي يقود نحو المنطقة، من شأنه إخراج شباب القرية المجاورة لقبائل حاحا، من البطالة، وتوفير الشغل والعديد من الأنشطة المدرة للدخل والإسهام في التنمية الاقتصادية للمنطقة.